المسألة الثامنة عشرة [حدوث العالم]
الشبهة السابعة
  تعلقت بها عوام الملحدة، وهي أنا لم نجد شيئاً إلا من شيء، فما رأينا بيضة إلا من دجاجة ولا دجاجة إلا من بيضة، فيجب أن يكون هكذا أبدا، وهذا يؤذن بقدم العالم إذ لو جوزنا خلاف ما شاهدنا وهو حدوث شيء لا من شيء لزم تجويز خلاف القضايا المطردة حتى يجوز أن يدرك الأعمى الذي بالصين في الليلة المظلمة بقة في الأندلس، وأن لا يبصر الصحيح البصر في النهار خيلاً عظيماً بحضرته، وحدوث العالم لا من شيء يستلزم ذلك فبطل.
  والجواب: أنهم بنوا هذه الشبهة على غير أساس، وعدلوا بها عن سنن القياس كما قد نبهنا على ذلك في المسألة السابعة، فإنهم إنما أقاسوا على مجرد الوجود، وذلك لا يصح كما لا يصح أن يقول الزنجي إن العالم كله أسود لأني لم أجد إلا أسوداً، ثم إنا نقول: لا يخلو إما أن تكون الدجاجة والبيضة قديمتين معا ففيه بطلان قولهم إذ لا يصح كون إحداهما من الأخرى، أو محدثتين فهو قولنا، أو إحداهما قديمة والأخرى محدثة بطل قولكم البيضة من الدجاجة والدجاجة من البيضة؛ إذ لا يكون القديم من المحدث، وفيه بطلان قولهم لأنهم يقولون: إنه لا يوجد شيء إلا من شيء.
  قال الإمام عز الدين #: وقد أجيب بجواب آخر هو أقطع للجاجهم، وهو أن يعكس كلامهم ويقال: بل بديهة العقل تحكم بأن حدوث شيء من شيء غير مقصور؛ لأن معنى ذلك أن يصير بعض الشيء شيئاً آخر وذلك لا يعقل، لأن ذلك الشيء إن بقي على حاله