المسألة الثالثة: [في الشفاعة]
  الحجة السابعة عشرة: أن أحدنا لو حلف ليفعلن ما يستحق به الشفاعة لم يؤمر إلا بالطاعة، ولو كانت لدفع العقاب فقط لم يؤمر إلا بالمعصية، وذلك باطل. واعترضه الرازي بأنه يؤمر بالطاعة؛ لأنها التي تستحق بها الشفاعة في إسقاط عقاب المعصية إذا عصى.
  قال الإمام المهدي: وهو اعتراض جيد.
  قلت: لم يظهر لي جودته؛ إذ الخصم لا يعلق استحقاق الشفاعة على حصول الطاعة، اللهم إلا أن يريد بالطاعة الإيمان بالمعنى الذي يذهبون إليه فإنه لا شفاعة لمن لم يصدق عندهم لكفره؛ لكن إذا أراد هذا فلا معنى لوصف الإمام هذا الاعتراض بالجودة؛ لأنه بناه على أصل باطل(١).
الموضع الخامس: في شبه المخالفين
  الشبهة الأولى: أن أهل الجنة مستغنون عن شفاعة الشافعين، فلا فائدة فيها؛ إذ الثواب الجزيل يصل إليه موفرًا في كل وقته. وربما أكدوا ذلك بمثال يوردونه، وهو أن من كان على مائدة فيها أنواع من الطعام والإدام فإنه إذا شفع له شفيع بزيادة رغيف لم يكن لهذه الشفاعة موقع أصلًا، ولا تكشف عن مرتبة وجاه لصاحبها، وإنما يكشف عن ذلك دفع المضار المستحقة.
  والجواب: أن هذه الصورة ليست نظيرًا للمسألة؛ إذ ليس في الجنة ما تنحط منزلته إلى منزلة الرغيف، وإنما نظيرها من أعطاه السلطان عشرًا
(١) وهو أن الإيمان مجرد التصديق. تمت. مؤلف.