الموضع الثالث: في ذكر حجج العدلية وما يرد عليها ورده وذكر شيء مما اختلفوا فيه
[الأدلة على أن معرفة الحسن والقبح ضرورية]
  قيل: قد مر شيء من الجواب على ذلك، ونزيده هنا توضيحاً وتأييداً فنقول: قد أبطل الإمام يحيى # في (التمهيد) كلامهم من وجهين:
  أحدهما: أنه إن كان الغرض بقولهم إن هذه القضايا مشهورة علي معني أن العقول قاضية بحسنها وقبحها فهو المطلوب، وإن كان الغرض بقولهم إن هذه القضايا مشهورة أنها اشتهرت بين العقلاء وألفتها طباعهم، وانغرست في قلوبهم محبتها، والميل إليها من غير علم بحسنها وقبحها، فهذا هو المنكر والشناعة، فإنا على علم ويقين من حال العقلاء في رسوخ هذه القضايا في عقولهم، وتحققها في أفهامهم لا لبس عليهم فيها كسائر الأمور الضرورية من الهداية وغيرها، مع أنا لا ننكر أن العلوم متفاوتة في الظهور والخفاء، ولكنها مستوية في التحقق والثبوت.
  وثانيهما: أن كلامنا معهم ليس إلا في بيان أن هذه القضايا مقررة في الأذهان، متحققة في العقول، فإذا ساعدونا على هذا التحقيق فقولهم بعد ذلك أنها قضايا مشهورة، وآراء محمودة، وأنها تنغرس في الصبا وأوائل النشوء لا يضرنا بعد تسليم كونها عقلية.
  قال #: وعلى الجملة فنحن نقول: إن هذه القضايا مقررة في العقول وهم يزعمون أنها مشهورة، ونحن نقول إن النفرة عن هذه المقبحات نفرة عقلية وهم يقولون: إن هذه النفرة طبيعية، مع الاتفاق