مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثانية: [شبه القائلين بعدم النسخ]

صفحة 3976 - الجزء 6

المسألة الثانية: [شبه القائلين بعدم النسخ]

  تمسك قوم من أهل الظاهر بظاهر الآية على أنه لا يجوز النسخ من غير بدل، ونقله الباقلاني عن بعض المعتزلة. وذهب البرماوي وابن السبكي إلى أنه جائز غير واقع، وعليه حمل قول الشافعي: وليس ينسخ فرض أبدًا إلا ثبت مكانه فرض. والاحتجاج بظاهر الآية ظاهر، وهو أنها قد دلت على أنه تعالى يأتي بخير من المنسوخ أو مثله، ولا يتصور كونه خيرًا أو مثلًا إلا في بدل؛ والخلاف في ذلك للجمهور، فقالوا: بل يجوز إلى غير بدل؛ لجواز أن يعلم الله سبحانه تغير المصلحة في الحكم لا إلى بدل، وجواز النسخ مبني على تغير المصالح، كما مر؛ ثم إن ذلك قد وقع، كما في نسخ تقديم الصدقة بين يدي النجوى لا إلى بدل، والوقوع فرع الجواز. وأجابوا عن قوله تعالى: {مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ ...}⁣[البقرة: ١٠٦] الآية، بأن المتبادر من إطلاق نسخ الآية نسخ التلاوة؛ ولهذا إذا نسخ حكمها دون تلاوتها احتيج إلى التقييد بأنه نسخ حكمها، وحينئذٍ فيكون المراد نأت بلفظ خير منها في الفصاحة والبلاغة؛ ويدل على ذلك أنه أورده مورد التمدح بأنه قادر على أمثال هذا القرآن في الفصاحة والإعجاز، فقال: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ ١٠٦}⁣[البقرة]، وإذا كان المراد أنه يأتي بلفظ خير لم يكن من محل النزاع؛ إذ النزاع في الحكم، والآية لا تدل على وجوب إبداله.

  سلمنا أن المراد (نأت بحكم) فلا نسلم أن المأتي به لا يكون إلا حكمًا شرعيًا؛ الجواز أن يكون الخير في عدم الحكم الشرعي، والرجوع