مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثانية [في أن أفعال الله كلها حكمة]

صفحة 872 - الجزء 2

المسألة الثانية [في أن أفعال الله كلها حكمة]

  قد مر أن ما ينزله الله تعالى بخلقه من الآلام والنقائص لا ينافي وصفه بالرحمة، وقد ذكر الرازي وتبعه النيسابوري في هذا الموضع ما يؤيد ذلك، ويدل على إقرارهما بأن أفعال الله تعالى مبنية على الحكمة كما هو مذهب أهل العدل، وحاصل كلامهما: أن من الأفعال ما يظن أنه رحمة وليس كذلك، وذلك كالوالد إذا أهمل ولده عن التعليم والتأديب فإن ظاهره رحمة وباطنه عذاب ونقمة، ومنها ما ظاهره العذاب والنقمة وهو في الباطن رحمة كقطع اليد المتآكلة، وضرب الولد لتعليم حرفة أو تأديب، فالأبله ينظر في الظواهر، والعاقل ينظر في السرائره إذا عرفت هذا فكل ما في العالم من محنة وبلية فهو وإن كان في الظاهر عذاباً ونقمة فهو في الحقيقة حكمة ورحمة.

  قال (الرازي): فالمقصود من التكاليف تطهير الأرواح عن العلائق الجسدانية كما قال تعالى: {إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ}⁣[الإسراء: ٧] والمقصود من خلق النار صرف الأشرار إلى أعمال الأبرار، وجذبها من دار الفرار إلى دار القرار⁣(⁣١) كما قال تعالى: {فَفِرُّوا إِلَى اللَّهِ}⁣[الذاريات: ٥٠] وأقرب شاهد لهذا قصة موسى والخضر، فإن موسى بنى على الظاهر، فأنكر ما فعله الخضر، والخضر بنى على الحقيقة، فظهر بهذا أن الحكيم


(١) الأولى بالفاء والثانية بالقاف. تمت مؤلف.