مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الرابعة عشرة [في نفي الشريك لله تعالى]

صفحة 2196 - الجزء 4

  وقد نبه الله على هذا بما حكاه عن إبراهيم الخليل # من قوله: {يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلَا يُبْصِرُ وَلَا يُغْنِي عَنْكَ شَيْئًا ٤٢}⁣[مريم].

  واعلم: أن هذا الوجه والوجه الأول قد دلَّ عليهما قوله: {اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ ...} الآية [البقرة: ٢١] فإن فيها إشارة إلى هذين الدليلين، وهما أنه لا يستحق الإلهية والعبادة إلا من ثبتت له حقيقة الإله، وهو المنعم بأصول النعم وفروعها المدلول عليها بقوله: {الَّذِي خَلَقَكُمْ ...} إلى {وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً ...} الآية [البقرة: ٢٢]، وأنه لا يستحق التعظيم إلا الموصوف بتلك الصفات، ولذا قال: {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا}⁣[البقرة: ٢٢] فإن معناها الذي يقتضيه السوق والذوق {فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا} فتعظموها بالعبادة وتسميتها آلهة، وليس لذلك التعظيم وجه يقتضيه، ولا دليل يدل عليه. والله أعلم.

  الوجه الثالث: أن الأدلة السمعية قد دلت على أن هذه الأوثان ليست بآلهة، وهي أدلة معلومة، ومنها ما نحن بصدده كما قررناه آنفاً.

تنبيه [في إبطال القول بإثبات قديم ثان]

  ما تقدم من الأدلة على إبطال القول بقديم ثانٍ، فهي أدلة عامة متناولة لإبطال قول كل من يثبت قديماً ثانياً مع الله تعالى من جميع فرق الكفر؛ وأما الكلام على إبطال قول كل طائفة على انفراده فسيأتي في مواضعه؛ لأن الله تعالى قد ذكر النصارى والصابئين والمجوس في القرآن، وأخبر بكفرهم وعنادهم، فتأخير الكلام على كل طائفة إلى موضع ذكرها هو اللائق والأنسب كما لا يخفى؛