مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

الموضع الثالث: في ذكر حجج العدلية وما يرد عليها ورده وذكر شيء مما اختلفوا فيه

صفحة 138 - الجزء 1

  قال الإمام أحمد بن سليمان #: (وكل مكلف من موحد أو ملحد يستحسن فعل الحسن، ويحب أن يذكر به، ويستقبح القبيح ويكره أن يذكر به، ألا ترى أن الملحد لو رأى صبياً يريد أن يتردى في بئر أو في نار أو يمد يده ليلزم حيّةً أنه يمنعه من ذلك ويستحسن منعه، ويستقبح تركه وإن لم يكن له برحم).

  وقال السيد مانكديم: (فإن قيل: ما أنكرتم أنه إنما يفعله رجاءً للثواب، أو طلباً للمدح، أو هرباً من الذم، قيل له: إنا نفرض الكلام في رجل قاسي القلب جاشي الفؤاد لا يبالي بهلاك الثقلين، ولا يحتفل بالذم والمدح، ملحد زنديق لا يؤمن بالله واليوم الآخر، ولا يقر بالثواب والعقاب، ومعلوم أنه والحال هذه يستحسن بكمال عقله إرشاد الضال، وأن يقول للأعمى والحال ما ذكرناه يمنة أو يسرة، ولا وجه لذلك إلا حسنه، ولكونه إحساناً).

  قلت: وكلامه # لا يقتضي أن معرفة الحسن والقبح ضرورية، فإن قيل: نحن لا ننكر قبح القبيح وحسن الحسن، ولكنا نقول إنها أمور مشهورة، وآراء محمودة عند العقل تنغرس في مبدأ الصبا وأوائل النشوء، وربما تنشأ عن التسالم وطيب المعاشرة، أو غيرها من الأسباب المتقدمة، وليست أموراً بديهية يقتضيها العقل كما يقتضي الأمور البديهية.