تفسير قوله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون 9}
  لاَ حَسَنَ في المكر والخديعة. وقال الطيبي: قد يكون الخداع حسناً، إذا كان الغرض منه استدراج الغير من الضلال إلى الرشد، قال: ومن ذلك استدراجات التنزيل على لسان الرسل.
  قلت: وهذا عند التحقيق ليس بخداع، وإنما هو من الدعاء بالموعظة الحسنة، كما يفهم ذلك من حقيقة الخداع، وإن أطلق على ما هذا حاله خداعاً فعلى جهة المجاز، كما في قوله تعالى: {يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ}[النساء: ١٤٢] ونحوها؛ ويؤيده أن الوصف بالمكر، والخداع، والدهاء لا يطلق إلا على أهل التعمق في الدنيا وزخرفها، وتشييد أركانها، ولا يوصف به الصالحون من الأنبياء وغيرهم؛ ألا ترى أنه لا يقال: كان رسول الله ÷ أدهى العرب، ولا أمكر قريش، وكذلك غيره من الأنبياء والصالحين؛ ولذا قال المغيرة بن شعبة لعمرو بن العاص حين قال له في محاورة بينهما: أنت كنت تفعل أوتوهم عمر شيئاً فيلقنه عنك: كان عمر والله أعقل من أن يخدع، وأفضل من أن يخدع. فنفى فعل الخداع عن عمر لما كان معتقداً فضله وجلالته. وقد أورد الزمخشري سؤالاً معناه: كيف يجوز من الله تعالى أن يخدع المنافقين، وهو حكيم لا يفعل القبيح؟ وكيف يجوز من المؤمنين أن يخادعوهم أيضاً؟ ولم يج المدح إلا بالانخداع دون الخداع، كما في قول الشاعر:
  واستمطروا من قريش كل منخدع