تفسير قوله تعالى: {يخادعون الله والذين آمنوا وما يخدعون إلا أنفسهم وما يشعرون 9}
  إلى هاشمي أو غيره، ولا بين غني أو فقير. وقد نص على نحو ما ذكرناه العلامة المقبلي في المنار، فإنه قال بعد أن ذكر ما حكيناه عنه من أن الضابط في الحيلة ما لفظه: ثم لها شرط تحققها، وهو أن يتطابق الباطن والظاهر، لا كهذه الحيل التي يبنونها على الألفاظ بدون طيبة النفس والانسلاخ كأن يعطي الفقير زكاته ليقضيه دينه، ولو أراد الفقير التصرف لغير الدين لمنعه، وكذلك إعطاؤه ليعطي هذا الهاشمي مثلاً، فلولم يعطه لما طابت نفسه، وإنما تجزي بأن يعطيه طيبة نفسه بها، فإن وفي بما أراده من إعطاء الهاشمي مثلاً فنعما هي، وإن لم يعطه فقد رضي بإخراجها، وطابت نفسه بصرفها، ونحو ذلك.
  قال: ونكتته أن الملك لم يتم للمصرف إلا بطيبة النفس.
  قلت: وقد عرف من هذا كله أن مناط المسألة النية، ومطابقة السنة، فمتى كان إعطاء الفقير بطيبة من نفس الصارف، وفي له بالوعد أو لم يف، وكان إعطاء المصرف للهاشمي والغني بطيبة من نفسه، فقد صار الصرف إلى المصرف. والتصرف منه بإعطاء الغير. مصحوباً بالنية، مطابقاً للسنة، لا امتراء في جوازه، ولا شك في إجزائه. والحمد لله.
  وبما ذكرنا تعرف كيفية الاجتهاد في هذا الباب، وهو بالرجوع في كل مسألة إلى عمومات الشرع، وتصرفات الشارع، فيما يتعلق بتلك المسألة، من دون رجوع إلى ضابط كلي لا دليل عليه، أو علة مستنبطة، أو قياس شبهي يؤديان إلى صرف أدلة الشرع عن ظواهرها؛ وقد عرفت أن أول القضاء ما في كتاب الله، ثم ما في السنة إلى آخره.