مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الأولى [في ذكر الخلاف في معنى الإفساد]

صفحة 1810 - الجزء 3

  عظيمة، ومعاص جسيمة، وزادها تغليظاً إصرارهم عليها، والأرض متى كثرت معاصي أهلها وتواترت قلت خيراتها، ونزعت بركاتها، ومنع عنها الغيث الذي هو سبب الحياة، فكان فعلهم الموصوف أقوى الأسباب لفساد الأرض وخرابها، كما أن الطاعة والاستغفار سبب لكثرة الخيرات، ونزول البركات، ونزول الغيث؛ ألا ترى إلى قوله تعالى: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ}⁣[نوح: ١٠] {وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ}⁣[الجن: ١٦] {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا}⁣[الأعراف: ٩٦] {وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُوا التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ}⁣[المائدة: ٦٦] الآيات، وقد قيل: في تفسير ما روي في الحديث من أن الفاجر يستريح منه البلاد والعباد، والشجر والدواب، وأن معاصيه يمنع الله بها الغيث، فيهلك العباد والبلاد لعدم النبات، وانقطاع الأقوات.

  قال: والنهي عن الإفساد في الأرض من باب النهي عن المسبب، والمراد النهي عن السبب، فمتعلق النهي حقيقة هو مصافاة الكفار وممالأتهم على المؤمنين بإفشاء السر إليهم، وتسليطهم عليهم لإفضاء ذلك إلى هيج الفتن المؤدي إلى الإفساد في الأرض، فجعل ما رتب على المنهي عنه حقيقة منهياً عنه لفظاً.

  قلت: وحكم الله عليهم أنهم مفسدون، لا يوجب عليهم حد المحارب المذكور في سورة المائدة؛ لأن هذه الآية نزلت في المنافقين، ولم ينقل عن النبي ÷ أنه أقام عليهم هذا الحد، ولأن الحد في آية المائدة مشروط بأمرين، وهما: محاربة الله والمراد أوليائه.

  والثاني: السعي بالفساد والمراد فساد مخصوص. ذكر هذا الفقيه يوسف.