مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الثالثة [في سر وصفهم بالصم والبكم والعمي]

صفحة 1853 - الجزء 3

  قوله تعالى: {وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ ١٩}⁣[البقرة]. دلت الآية على أن المحيط من أسماء الله تعالى، واختلف في معناه، فقيل: بمعنى عالم؛ لقوله: {أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ١٢}⁣[الطلاق]. وقيل: معناه مستول عليهم بالقدرة؛ لقوله: {وَاللَّهُ مِنْ وَرَائِهِمْ مُحِيطٌ ٢٠}⁣[البروج]، وقيل: إنه يهلكهم، لقوله تعالى: {إِلَّا أَنْ يُحَاطَ بِكُمْ}⁣[يوسف: ٦٦] وكلها محتملة هنا. واستعماله في الباري تعالي مجاز، كني به عن كونهم لا يفوتونه، كما لا يفوت المحاط المحيط؛ إذ لا تجوز الحقيقة في حقه تعالى؛ لأن الإحاطة حقيقة في حصر الشيء بالمنع له، والاشتمال عليه من كل جهة. وظاهر كلام الموفق بالله أنه لا يطلق على الباري تعالى إلا مقيداً بما يزيل الوهم؛ لأنه قال: ولا يوصف بأنه محيط؛ لأنه من صفات الأجسام، ولا يجوز عليه تعالى ذلك. ويجب أن يكون مراده # أنه لا يطلق إلا مقيداً⁣(⁣١) بما ذكرنا⁣(⁣٢)؛ لأنه لا يمنع ما ورد به القرآن. وفي وضع الظاهر - أعني: الكافرين - موضع الضمير الراجع إلى من تقدم ذكره إعلامٌ بكفرهم، وأنه السبب فيما ينالهم من عقوبة الله وتنكيله بهم، فيدل على عدله، وأنه تعالى لا يعذب أحداً إلا بذنبه.


(١) وقد صرح بوجوب التقييد القرشي في المنهاج. تمت مؤلف.

(٢) أي بما يزيل الوهم، وهذا تأويل لكلام الموفق بالله، وإلا فالمختار جواز إطلاق ما أطلقه القرآن مراداً به المعنى الصحيح. تمت مؤلف.