تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  بين الدليل والمدلول والرابطة بينهما، فلو لم يعلم الناظر وجه الدلالة لم يعلم التعلق بين الدليل والمدلول، فلم يكن نظره بأن يولد العلم بأولى من أن لا يولده؛ ولذا لم يولد نظر الملحد في الأجسام العلم بالصانع مع أنه يعلمها، وليس ذلك إلا لعدم علمه بوجه دلالتها، وهو الحدوث.
  المقام الثاني: في أن النظر المفيد للعلم غير مقدور لنا، واحتجوا عليه بوجوه:
  أحدها: أن تحصيل التصورات غير مقدور لنا؛ لأن طالب تحصيلها إما أن يكون عارفاً بها، أو غافلاً عنها، وأيهما كان استحال منه طلبها كما مرَّ. لا يقال: هي معلومة من وجه، ومجهولة من آخر؛ لأنا نقول: الوجه المعلوم غير المجهول ضرورة، وإذا كان كذلك فنقول: الوجه المعلوم يستحيل طلبه؛ لأنه من تحصيل الحاصل، والوجه المجهول يستحيل طلبه؛ لأن ما غفلنا عنه لا يكون مطلوباً؛ وإذا ثبت استحالة التصورات الكسبية، وأنها غير مقدورة لنا وجب أن تكون التصديقات البديهية غير كسبية؛ لأن عند حصول طرفي القضية البديهية في الذهن إما أن يلزم من مجرد حضورهما الجزم بنسبة أحدهما إلى الآخر، أوْ لا، إن لم يلزم لم تكن القضية بديهية بل مشكوكة، وإن لزم كان التصديق واجب الحصول عند حضور ذينك التصورين، وممتنع عند عدمه، وما توقف ثبوتاً وانتفاءً على ما لا يكون مقدوراً وهو التصور يجب أن يكون كذلك، فثبت أن التصديقات البديهية غير كسبية، وإذا لم تكن كسبية لم يكن شيء من التصديقات كسبياً؛ لأن التصديق النظري إن لم يكن واجب اللزوم عند حصول التصديقات