تفسير قوله تعالى: {وإن كنتم في ريب مما نزلنا على عبدنا فأتوا بسورة من مثله وادعوا شهداءكم من دون الله إن كنتم صادقين 23 فإن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا النار الت
  ضرورة أنه كان يعتقد أن له الفضل على الناس؛ لمكان ما جاء به من القرآن، ويدعي المزية عليهم بسببه، ويظهر ما جاء به، وذلك كافٍ في التحدي، كالخطيبين إذا كان بينهما منافسة، فإنه لا فرق بين أن يأتي أحدهما بخطبة يتحدى بها صاحبه، وبين أن يظهرها عليه.
  الوجه الثاني: أن القرآن مشحون بآيات التحدي، ومنها هذه الآية التي نحن بصددها، وهي صريحة واضحة مشتملة على غاية التحدي ونهايته، فإنه تحداهم أن يأتوا بسورة من مثله، والسورة منه قد تكون ثلاث آيات، ثم بالغ في ذلك حتى قال: {وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[البقرة: ٢٣] فأمرهم بالاستعانة بشهدائهم كما في قوله: {وَادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ}[يونس: ٣٨] ثم أخبرهم أنهم لا يفعلون ذلك، وفي ذلك غاية التبكيت ونهاية التحدي، والدلالة على عجزهم، فإنه لو كان في مقدورهم الإتيان بشيء من معارضته لكان هذا الكلام والتسجيل عليهم حاملا لهم على المعارضة ولو بسورة واحدة. وقد أورد علي هذ الأصل اعتراضان:
  الاعتراض الأول: أنه لم يتواتر إلا جملة القرآن لا أفراده بدليل إنكار ابن مسعود المعوذتين والفاتحة، وأثبت أبي خمس سور، ونفاهن ابن مسعود، وأثبت زيد بن ثابت ثلاثاً منها، واختلف في البسملة إلى غير ذلك من الاختلاف(١) الذي يدل على عدم تواتر مفردات القرآن؛ ومع ذلك إنه لم ينكر على هؤلاء في نفي ولا إثبات، ولا نقص ذلك من قدرهم، ولا كفّر أحد من خالفه، ولو كان مما يشترط فيه التواتر
(١) كاختلافهم في المصاحف وتزييف كل منهم مصحف الآخر. تمت مؤلف.