المسألة الخامسة [دلالة الآية على مذهب العدلية في الأفعال]
  الوجه الثالث: لو كان الفساد والقتل فعلاً للّه تعالى لوجب أن يكون الجواب: أَني مالك أفعل ما أشاء، أو نعم أخلقهم للفساد والقتل.
  الرابع: أن قوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٣٠}[البقرة] يقتضي التبري من فعل الفساد والقتل؛ لأن الملائكة لما قالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا}[البقرة ٣٠]، أجاب بأنه يعلم من المصلحة ما لا يعلمونه، فكأنه قال: لم أخلقهم لذلك، بل خلقتهم لمصلحة لا تعلمونها، وهي ما يخرج من ذرية آدم من المطيعين ذكره الهادي والمرتضى.
  قال الهادي: منهم من لولاه ما خلقته(١) ولا خلقت الدنيا محمد ÷ السراج المنير، البشير النذير.
  وقيل: إن إبليس كان أميراً على ملائكة السماء الدنيا، فاستكبر، وفي رواية: إن الجن لما سفكوا الدماء وأفسدوا، فأرسل اللّه عليهم إبليس في جند من الملائكة فقتلوهم وطردوهم اغتر إبليس، وداخله العجب، فلما علم اللّه منه ما علمه من المعصية قال: {إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً}[البقرة: ٣٠] وأخبر الملائكة بما يقع منهم، فقالوا: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ}[البقرة: ٣٠] فقال: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٣٠}[البقرة]، من كبر إبليس واغتراره، هذا حاصل الروايات، وهي مبسوطة في (الدر المنثور)، وأي القولين كان هو المراد فقوله: {إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ٣٠}[البقرة] يقتضي التبري من فعل الفساد، وأنه إنما خلقهم لما يخرج منهم من أهل الصلاح، أو لأجل ما علمه من معصية إبليس، وكان خلقه إياهم كالعقوبة للشيطان. واللّه أعلم.
(١) يعني آدم #. تمت مؤلف.