المسألة الخامسة [توقيف اللغة]
  قالوا: لو تساوت الألفاظ بحسب ذواتها لم يختص بالمعاني؛ إذ لو كان لها اختصاص فإما أن يكون هناك تخصيص أو لا، فعلى الثاني يلزم الاختصاص بدون مخصص، وعلى الأول التخصيص بغير مخصص، وكلاهما محالان.
  قلنا: نختار التخصيص، والمخصص إرادة الواضع المختار، ولا تحتاج إلى انضمام داعية إليها في التخصيص؛ إذ الواضع إما اللّه تعالى فتخصيصه هنا كتخصيص حدوث العالم بوقته مع إمكان تقدمه وتأخره، وليس المخصص هنا إلا إرادته تعالى من غير انضمام داعيه إليها.
  وأما البشر فتخصيصهم هنا كتخصيص الأعلام بالأشخاص والمخصص الإرادة. وقد يؤول كلام عباد بأن معناه أنها حاملة على الوضع على وفقها، وتحقيقه أن الواضع لا يهمل رعاية ما بين اللفظ والمعنى من المناسبة كالجهر، والهمس، والشدة وغير ذلك، فإن تلك الخواص تقتضي أن يكون العالم بها إذا أخذ في تعيين شيء مركب منها لمعين لا يهمل التناسب بينهما، قضاء لحق الحكمة، كما قيل: إن الفصم بالفاء الذي هو حرف رخو للكسر من غير بينونة، وبالقاف الذي هو شديد للكسر مع البينونة.
الموضع الثالث: في الخلاف في تعيين الواضع وذكر أدلة كل قول
  فقال المرتضى، وأبو مضر، والبغدادية، وأكثر الأشعرية: اللغات كلها توقيفية لا يوقف عليها إلا بإعلام من اللّه تعالى للبشر