المسألة الثانية: [تحقيق معنى القتل المذكور في الآية]
  بطريق عقلية، تحريرها أنه لا يجوز من الله تعالى أن يأمرهم بقتل أنفسهم بأيديهم؛ لأن ذلك يكون تكليفًا شرعيًا، والتكاليف الشرعية إنما تحسن بكونها مصالح لذلك المكلف، ولا تكون مصلحة إلا في الأمور المستقبلة، وليس بعد القتل حال تكليف حتى يكون القتل مصلحة فيه. قال: وهذا بخلاف ما يفعله الله من الإماتة؛ لأن ذلك من فعل الله، فيحسن أن يفعله إذا كان صالحًا لمكلف آخر يعوض ذلك المكلف بعوض عظيم، وبخلاف أن يأمر الله تعالى بأن يجرح نفسه أو يقطع عضوًا من أعضائه، ولا يحسن الموت عقيبه؛ لأنه ما بقي بعد ذلك الفعل حيًا لم يمتنع أن يكون ذلك الفعل صلاحًا في الأمور المستقبلة. واعترض بأنه بناه على ما مر له من حقيقة القتل، وفيه ما مر، وقد أخبر النبي ÷ وهو الصادق في خبره أن أمير المؤمنين سيقتل، وكذلك أمير المؤمنين # كان يخبر بذلك، وقد علم أن الواقع لأمير المؤمنين إنما هو الجراحة المثخنة ولم يمت منها في الحال، وقد سمي ذلك قتلًا وفاعله قاتلًا، وعلى ذلك جرى عمل العلماء في ذكر أحكام القتل وما يتعلق به من القصاص والكفارات والديات، فإنهم يسمون الفعل المزهق للروح قتلًا، ولم يفصلوا بين أن يكون الإزهاق في الحال أو بعده، والأصل في الإطلاق الحقيقة، ولا قرينة تصرف عنه.
  إذا عرفت هذا فلا وجه لمنع الأمر بالقتل في الآية على قتل كل واحد منهم نفسه؛ لجواز ورود الأمر بالجراحة التي لا يستعقبها الزهوق في الحال، فإذا كان الأمر كذلك فلا يلزم انتفاء المصلحة في المستقبل؛