المسألة الثالثة: [نسخ الأخف بالأشق]
  وأصحاب التناسخ، فإنهم ذهبوا إلى أنه لا يحسن إلا إذا كان عقوبة على ذنب سلف. وإذا ثبت الابتداء بتكليف الشاق جاز في الناسخ الأشق مثله؛ لمشاركته له في علة الجواز، وهو المصلحة، والاشتراك في العلة يوجب الاشتراك في الحكم، وإلا بطل التعليل؛ والمراد بالخير والمثل في الآية ما هو خير أو مثل في المصلحة، ولا يمتنع أن يكون الأشق أصلح في الدين إذا كان ناسخًا، ومن فوائده التدريج والترقي من الأخف إلى الأثقل؛ ليسهل التحمل والقبول؛ ولا يصح الاحتجاج بقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ}[البقرة: ١٨٥] وقوله: {الْآنَ خَفَّفَ اللَّهُ عَنْكُمْ}[الأنفال: ٦٦] {يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُخَفِّفَ عَنْكُمْ}[النساء: ٢٨]؛ [لأنه] ضعيف، وبيانه من وجوه:
  أحدها: أن ذلك لو حمل على ظاهره لأدى إلى منع الابتداء بالتكليف الشاق.
  الثاني: أن إرادة الأشق المشتمل على مصلحة إرادة لليسر والتخفيف؛ لأنه يؤول إلى ذلك؛ لما يترتب عليه من السعادة الأبدية، والشيء قد يسمى باسم ما يؤول إليه.
  الثالث: أن تلك الآيات وردت في أحكام خاصة جاءت مخففة، وليست عامة، ونحن لا نمنع نسخ الأشق بالأخف لتلك الآيات وغيرها، لكن ذلك لا يقتضي منع نسخ الأخف بالأشق.
  قالوا: الباري تعالى منعم على عباده بالنسخ، وهو بهم رؤوف رحيم، فلا يليق به التثقيل والتشديد على عباده بعد التخفيف.