مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الرابعة: [في اللفظ على حقيقته]

صفحة 3980 - الجزء 6

  فلا يكون قادرًا إلا عند قوله: (كن)، وذلك باطل في القديم جل وعلا، فإنه لا يخرج عن هذه الصفة في حال من الأحوال؛ ثم إن لفظ [كن] لوكان له أثر في التكوين لوقع التأثير إذا نطق بها الواحد منا. إذا عرفت ذلك تبين لك أنه لابد من التأويل، وقد اختلف في تأويلها، فعن أبي الهذيل: أنها علامة للملائكة إذا سمعوها علموا أن الله تعالى أحدث أمرًا. وقال الأصم: هو خطاب للموجودين الذين قال لهم: {كُونُوا قِرَدَةً خَاسِئِينَ ٦٥}⁣[البقرة] ومن جرى مجراهم. وقيل: هو أمر للإحياء بعد الموت، وللأموات بالحياة. والذي عليه الحذاق من أئمة التفسير: ليس ثمة قول مقول، وإنما هو مجاز وتمثيل، والمعنى أن ما قضاه الله وأراده فإنما يتكون ويدخل تحت الوجود من غير امتناع ولا توقف، كما أن المأمور المطيع الذي يؤمر فيمتثل ولا يتوقف ولا يمتنع، وحاصله أن المراد في ذلك التمثيل لسهولة تأتي المقدورات بحسب مشيئته تعالى، والتصوير السرعة حدوثها بطاعة⁣(⁣١) المأمور المطيع للآمر القوي المطاع؛ وفيه تأكيد لإبطال دعوى الولادة؛ لأن من كان بهذه الصفة من القدرة كانت حاله مباينة لأحوال الأجسام في توالدها.

  قوله تعالى: {الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلَاوَتِهِ أُولَئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ}⁣[البقرة: ١٢١] مجموع ما تدل عليه كلمات السلف من الصحابة وغيرهم في معنى يتلونه حق تلاوته أنه بمراعاة لفظه عن التحريف لمبانيه، وبالتدبر لمعانيه، والعمل بما فيه، فما آمن بالقرآن من لم يتبعه ويتقيد بأوامره ونواهيه، ويحل حلاله، ويحرم حرامه، ويعتصم بحبله،


(١) متعلق بالتمثيل والتصوير. تمت. مؤلف.