المسألة الثانية [الاختلاف في حقيقة الحمد]
  إما لما ذكره الجمهور من أن الثناء هو الذكر بخير، ويقال في ضده النثاء بتقديم النون، وإما لأن قوله على الجميل قرينة دالة على أن المراد بالثناء هنا الوصف بالجميل؛ إذ لا يثني على الجميل بالقبيح، وبهذا يسقط ما قيل من أن قولهم الثناء باللسان غير مفيد لكون المحمود به جميلاً لأن الثناء يستعمل في الخير والشر كما اختاره ابن عبد السلام، وذكر اللسان لإخراج ثناء الله على نفسه، وعلى عباده عند من لا يسميه حمداً، وللدلالة على مقابلة الحمد للشكر من حيث اختصاص الحمد باللسان دون الشكر، ولدفع احتمال التجوز بإطلاق الثناء على ما ليس باللسان كالجنان والأركان، أما زيادة كونه على وجه التعظيم، فقد اعترض عليها بأنه يلزم منها اعتبار فعل الجنان والأركان في الحمد، والمعلوم عن أهل اللغة خلافه فإنهم يسمون من قال: زيد عالم حامداً وإن لم يعظمه بقلب ولا جارحة، بل قد حمدوا من لا يستحق التعظيم ولا فعل له كقولهم في المثل: عند الصباح يحمد القوم السرى، وقد تكلم به أمير المؤمنين # كما في النهج.
  قال ابن أبي الحديد: اشتراط مطابقة القلب للسان لا يساعده عليه الاستعمال؛ لأن أهل الاصطلاح يقولون لمن مدح غيره أو شكره رياءً وسمعة أنه قد مدحه وشكره وإن كان منافقاً عندهم، وأيضاً فإن أهل اللغة قد نصوا على أن الحمد يطلق على معان وهي الشكر، والرضا، والجزاء، وقضاء الحق كما في القاموس وغيره، وهذه المعاني