مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة السادسة [الجواب على الرازي في قوله بعدم وجوب الحمد]

صفحة 578 - الجزء 1

  وقد حكى الرازي هذا القول في تفسير سورة الفاتحة عن بعض الناس، وضعفه بأن الحمد لله إخبار عن استحقاق الحمد بحسب ذاته وبحسب أفعاله، سواء حمدوه أم لم يحمدوه، وهو كلام تام لا يحتاج إلى الإضمار، وأن الأمر يقتضي الوجوب فيأثم تاركه.

  والجواب: أنه قد مر له أن حمد المنعم عبارة عن القول والاعتقاد وعمل الجوارح، والمعلوم أن الأخيرين لا يكونان إلا من المكلفين، وقد ثبت أن الشكر واجب، وأن الحمد من أنواع الشكر، ولا طريق إلى معرفة الواجب إلا العقل والشرع، ولا شك أن كل ما قضى به العقل قضية مبتوتة فإن الشرع يؤكد وجوبه والأمر به، فعلى هذا لا بد من التقدير المذكور، ويؤكده الأمر به في قوله تعالى: {وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ}⁣[الإسراء: ١١١]، ونحوها من الآيات والأخبار.

  وأما قوله: إن الأمر به يقتضي الإثم، فالكلام فيه كالكلام في سائر التكاليف.

  واعلم أن كلامه في تفسير سورة الأنعام يقتضي ترجيح هذا التقدير فإنه قال هنالك إن في قوله الحمد لله قولان:

  أحدهما: أن المراد به احمدوا الله، وإنما عدل عنه إلى صيغة الخبر ليفيد تعليم اللفظ والمعنى، وللإخبار بالاستحقاق سواء حمدوه أم لا، والثاني: وهو قول أكثر المفسرين أن معناه قولوا: الحمد لله، قالوا: والدليل على أن المراد منه تعليم العباد أنه قال في أثناء السورة: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ٥}⁣[الفاتحة]، وهذا الكلام لا يليق ذكره إلا بالعباد، والمقصود أنه سبحانه لما أمر بالحمد، وقد تقرر في العقول