المسألة الأولى [معنى العبادة]
  كلامه ترجيحه؛ لأنه قال: والعبادة: غاية التذلل من العبد ونهاية التعظيم للرب سبحانه؛ لأنه العظيم المستحق للعبادة، ولا تستعمل العبادة إلا في الخضوع الله تعالى؛ لأنه مولي أعظم النعم، وهي إيجاد العبد من العدم إلى الوجود، ثم هداه إلى دينه، فكان العبد حقيقا بالخضوع والتذلل له.
  قلت: وما ذكره لا يصح إلا بالنظر إلى الحقيقة الشرعية كما أن قول من قال: هي فعل ما يرضي الله تعالى لا يتخرج إلا على ذلك، وقال العلامة المقبلي: اعلم أنك إذا تأملت معنى العبادة فإنما هي الاعتراف بما هو حق، والاعتراف بالحق واجب من دون نظر إلى شيء أصلاً مثلاً: كلمة التوحيد والتسبيح والتحميد، وسائر ما هو من قبيل الأقوال اعتراف بمدلولاتها، وإخبار عن الشهادة بذلك، ومع ذلك هو يتضمن الرفع من شأن المتصف بمدلولات هذه الألفاظ، وهو معنى الحمد، وإذا لحظ في خلال هذا الاعتراف وتأكد انبعاثه عليه بكونه غريق نعم الله وأسير الاحتياج إليه كان شكرا وضراعة إليه تعالى، ومعنى هذه الدلالة متضمن للاعتراف بما هو حق - أعني معانيها - وهذا في الأقوال، ولما كان شأن الله أعظم من أن يقتصر على دون(١) ممكن من تأدية حقه وكان نعمه لجميع العبيد أصلاً ومددا، أوجب أن يقترن هذا الاعتراف المعنوي بشيء مما هو من حظ سائر الجوارح، وكانت الصلاة والحج والصيام، فالصلاة والحج غاية الضراعة والاعتراف بأن شأن العبد أن يكون مع العظيم المنعم هكذا، ولما كان شأن النفس
(١) أدون (ظ) انتهى.