المسألة الثانية [اختصاص الله تعالى بالعبادة]
  وقد نازع بعضهم في كون التقديم مفيدا للاختصاص هنا لقوله تعالى: {فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ٢}[الزمر] وأجيب بأن {مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ ٢} أغنى عن إرادة الحصر في الآية قالوا: قال تعالى: {قُلْ أَفَغَيْرَ اللَّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ}[الزمر: ٦٤] مع أنهم لم يخصوا الغير بالعبادة. قلنا: لما كان من أشرك فكأنه لم يعبد الله كان الأمر بالشرك كالأمر بتخصيص غير الله بالعبادة، قالوا قال تعالى: {كُلًّا هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ}[الأنعام: ٨٤]. قلنا: لم ندع اللزوم، وإنما ادعينا الغلبة، فإذا قام الدليل على خلافها عمل به وقد يخرج الشيء عن الحقيقة، سلمنا(١) فقد قام دليل الاختصاص هنا وهو من وجوه:
  أحدها: ما مر عن ابن عباس وزيد بن علي # من النص على ذلك.
  الثاني: ما مر من أخذ نهاية التعظيم في معنى العبادة وذلك لا يليق إلا لمن صدر منه غاية الإنعام وهو الله تعالى، ولا شك أن الله تعالى هو المنعم بأصول النعم وفروعها، أما أصولها فهي ست: خلق الحي، وخلق حياته، وخلق قدرته، وخلق شهوته، وتمكينه من المشتهيات السادس: إكمال عقله، فالخمسة الأول تكون نعمة بغير السادس، والسادس لا يكون نعمة إلا معها.
  وأما فروع النعم فلا تحصى إلا أنها(٢) قد تكون ابتداء بلا واسطة بشر، وقد تكون بواسطته وذلك لا يخرجها عن كونها نعمة من الله كما مر في الحمد، فإذا كانت النعمة كلها من الله وجب ألا تحسن العبادة إلا له.
(١) أي سلمنا عدم إفادة التقديم الاختصاص. تمت مؤلف.
(٢) أي الفروع. تمت مؤلف.