المسألة الخامسة: في ذكر الأدلة وشروط الاستدلال بها
  حاجة أفعالنا إلينا لا لحدوثها، بل لغير ذلك فلا يحتاج العالم إلى محدث، ويلزم أن لا نقطع باستناد فعل إلى فاعله لجواز أن يكون الفاعل غيره فتزول أحكام الأفعال من مدح وذم وغيرهما؛ هذا في العقليات. وأما السمعيات فإن كان المدعي يدعي ثبوت ما يعم التكليف به كصلاة سادسة وثبوت حج بيت آخر وجب القطع ببطلان دعواه؛ إذ لو كان لاشتهر وعلم به المكلفون، وإلا لزم تكليف من لا يعلم والمعاقبة على الإخلال به وذلك قبيح؛ وإن لم يكن مما يعم به التكليف وجب الوقف فلا يقطع بعدم الدليل عليه فيكون باطلاً، ولا بوجوده فيكون صحيحاً حتى يظهر الدليل وعدمه بعد البحث في مظان وجوده.
  فإن قلت: ما الفرق بين العقليات والسمعيات على هذا التفصيل؟
  قلت: أما القسم الأول من السمعيات فلا فرق بينه وبين العقليات؛ وذلك أن المدعي لشيء من ذلك إذا لم يذكر دليله علم بطلان دعواه في الحال، ولا يحتاج إلى بحث عن الدليل؛ لأنه لا يجوز أن يخفى على أحد.
  وأما القسم الثاني من السمعيات فلا يقطع ببطلان دعواه إلا بعد البحث والتفتيش فلا يجد عليه دليلاً، لأنه يجوز في دليله أن يخفى على بعض المكلفين.