مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الخامسة: في ذكر الأدلة وشروط الاستدلال بها

صفحة 120 - الجزء 1

  وأما الاستقراء فروى القرشي إجماع محققيهم على أن المقدمات اليقينية الكلية إنما يتصيدها العقل من استقراء الجزئيات.

  قال أبو الحسين: ومثله أرسطاطاليس بأن يتصور صورة زيد ثم صورة شخص آخر حتى ترسم في نفسه صورة الإنسان الكلية الشاملة لجميع أشخاص الناس، وإذا كان كذلك وهم قد صرحوا بأن الاستقراء والتمثيل لا يفيدان إلا الظن، فقد نقضوا قولهم، وظهر أنه لا يقيني قط؛ لأن المقدمات التي يسمونها يقينية قد بنوها على ما لا يفيد عندهم إلا الظن، وبهذا يتبين لك أن غرضهم بذلك المكر والإلحاد لا بيان الأدلة، وأن دعواهم هذه لو تمت لكان حدوث العالم ظنياً، ويلزم منه أن يكون ثبوت الصانع كذلك، فيحصل ما راموه من نفي الصانع، وإبطال الشرائع.

  وأما ما شككوا به من تجويز وجود جزئي لم يستقرأ، وقدحهم في طريقتي السبر والدوران بالتجويز أيضاً، فقد قدمنا في أول المسألة أنه يمتنع ثبوت ما لا دليل عليه، وأن من ادعى ذلك وجب نفيه والقطع ببطلانه، فكيف بمن ادعى تجويزه فقط، وبينا أنه لا يجوز خفاؤه مع وجوده إلا فيما يعم به التكليف. ومما يلزم على قواعدهم هذه من المفاسد ألّا نثق بخبر الله تعالى ولا خبر رسوله ÷، وأن لا نصدق بنبوة نبي، وذلك لأنهم قسموا الأقيسة إلى يقينية، وغير يقينية، وجعلوا من غير اليقينية معرفة الحسن و القبح، وقالوا: لا طريق إليهما إلا الشهرة بحيث لو خلي الإنسان وعقله لما قضى بهما نحو الحكم بقبح الظلم والكذب والعبث، وحسن العدل ووجوب رد الوديعة،