المسألة الخامسة: في ذكر الأدلة وشروط الاستدلال بها
  وشكر المنعم، وجعلوا هذا وأمثاله من الظنيات، وحينئذ فلم يبق طريق إلى الشرائع، ولا إلى معرفة الثواب والعقاب؛ لأنه إذا لم يكن الكذب قبيحا فغير ممتنع خلق المعجز على يد الكاذب، وغير ممتنع أن يوعد الله المطيعين ثم يعذبهم بلا ذنب، وأن يتوعد العصاة ثم يثيبهم لعدم قبح ذلك، وغير ممتنع أن يخبر النبي ÷ بوجوب أمر، وهو في الواقع منهي عنه لعدم قبح الكذب وغير ذلك، ومن ذلك أنهم لما حصروا اليقينيات في القياس المركب على ما زعموا صارت السمعيات كلها ظنية، فلزم من ذلك عدم القطع بعقاب العصاة ولو كانوا كفاراً، وقد التزموا ذلك كما سيأتي في سياق قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ وَعَلَى سَمْعِهِمْ ...}[البقرة: ٧] الآية.
  وذلك خلاف ما علم من ضرورة الدين إلى غير ذلك من اللوازم والدسائس كما سيأتي من بيان شبههم المبنية على هذه الأصول الفاسدة، والجواب عنها في مواضعها إن شاء الله تعالى.
  وقد رد عليهم أصحابنا بما لا مزيد عليه، ومن جملة ما ردوا عليهم به: أن الضروري إنما يكون ضرورياً بأن يكون مفعولاً فينا بغير اختيارنا، ولا بد من الإقرار بهذا، وإذا كان كذلك فإنا نجد أنفسنا مضطرة إلى العلم بقبح الظلم والكذب، وحسن إرشاد الضال، وإنقاذ الغريق، ووجوب رد الوديعة، وشكر المنعم، ونحو ذلك مما سموه مشهوراً، ونجد هذا العلم غير واقف على اختيارنا، ولا نجد فرقاً بينه وبين العلم بالأوليات والمشاهدات في كونه ضرورياً، وكذلك لا نجد