المسألة الخامسة [صفات المتقين]
  فإن قيل: يحتمل أن تكون مقتطعة من المتقين مرفوعة على الابتداء.
  قلنا: خلاف الظاهر؛ ولأنه قد روي ما يدل على أن المتقي من أتى بالواجب واجتنب المحرم، من ذلك ما روي عن النبي ÷ أنه قال: «لا يبلغ العبد المؤمن أن يكون من المتقين حتى يدع ما لا بأس به حذراً مما به البأس».
  وما روي عن علي #(١) أن صاحباً له يقال له همام كان رجلاً عابداً فقال له: يا أمير المؤمنين، صف لي المتقين كأني أنظر إليهم، فتثاقل عن جوابه ثم قال: (يا همام اتق الله وأحسن فإن الله مع الذين اتقوا والذين هم محسنون) فلم يقتنع همام بذلك حتى عزم عليه قال: فحمد الله وأثنى عليه، وصلى على النبي ÷ ثم قال: (أما بعد، فإن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق حين خلقهم غنياً عن طاعتهم، آمناً من معصيتهم؛ لأنه لا تضره معصية من عصاه، ولا تنفعه طاعة من أطاعه، فقسم بينهم معايشهم، ووضعهم من الدنيا مواضعهم، فالمتقون فيها هم أهل الفضائل، منطقهم الصواب، وملبسهم الاقتصاد، ومشيهم التواضع، غضوا أبصارهم عما حرم الله عليهم، ووقفوا أسماعهم على العلم النافع لهم، بذلت أنفسهم منهم في البلاء كالذي بذلت في الرخاء، ولولا الأجل الذي كتب الله لهم لم تستقر أرواحهم في أجسادهم طرفة عين شوقاً إلى الثواب، وخوفاً من العقاب، عظم الخالق في أنفسهم فصغر ما دونه في أعينهم، فهم والجنة كمن قد رآها فهم فيها منعمون، وهم والنار كمن قد رآها فهم
(١) نهج البلاغة صفحة ٤٣٩ شرح الشيخ محمد عبده اهـ.