المسألة السادسة: في التحسين والتقبيح العقليين
  من شأن من اتصف بالنقص كالجهل، وهذا هو المدح والذم الذي أرادته المعتزلة.
  ووجه سقوطه أنهما بنياه على جعل محل النزاع هو إدراك العقل مدح المحسن وذم المسئ فقط(١)، وقد عرفناك بطلانه، وأن ذلك ليس إلا أحد قسمي محل النزاع، على أن المقبلي بعد أن ذكر ما تقدم رجع إلى التوقف فإنه قال بعد كلام حكاه: وفيه عندي وقفة فإنهم إنما يثبتون الوصفين(٢) فيما هو من قبيل الغرائز كالعلم، والجهل، والصدق، والكذب أي كون شأنه الصدق، وشأنه الكذب، وأما في مثل صدق وكذب، وحصل الصدق والكذب، وحصل العلم والجهل المركب مثلاً فيحتاج إلى كونهم يقولون بذلك إلى نقل صحيح عنهم، والمتتبع من كلامهم خلافه، فيسلمون من المناقضة، ويقرون على الخلاف، وإنما التبس على الناظر ما كان بمعنى الثبوت، وما كان بمعنى الحدوث فصادق بمعنى ذي صدق كمال عندهم لا بمعنى حصّل الصدق وأوجده، وكيف وقد أنكروا هذا المعنى الأخير في مطلق الفعل وقالوا: معنى أكِل أنه ذو أكل لا أنه أَكَلَ. ذكره في العلم الشامخ.
  هذا وقد بقي من محل النزاع الأشياء التي يصح الانتفاع بها، ولا ضرر على أحد فيها متى لم يرد بحكمها الشرع كالتنفس في الأهوية، والمشي في البراري ونحو ذلك، فقال أئمتنا $ والمعتزلة وغيرهم: هي مما يحكم العقل بحسنه؛ إذ الحسن ما لا يستحق عليه عقاباً
(١) من غير نظر إلى عاجل ولا آجل ولا ثواب ولا عقاب تمت مؤلف.
(٢) الكمال والنقص تمت مؤلف.