المسألة الثانية عشرة [في الرزق]
  قد أمرنا بالإنفاق من الرزق، فلو كان كما ذكرتم لما أمكن إنفاقه. وقيل: بل هو ما يملك، ورد بأن العالم ملك الله تعالى ولا يوصف بأنه رزقه، والكلأ رزق للبهيمة ولا يوصف بأنه ملكها، ويقول الإنسان: اللهم ارزقني ولداً صالحاً، وزوجة صالحة، وعقلاً أعيش به، ولا يوصف واحد منها بالملك.
  قال الإمام المهدي #: واعلم أن الرزق يفارق الملك بأن الرزق اسم للملك وغير الملك كالماء والكلاء، ولهذا قال ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {وَفِي السَّمَاءِ رِزْقُكُمْ وَمَا تُوعَدُونَ ٢٢}[الذاريات]: والله ما علمت لكم رزقاً في السماء إلا المطر؛ ومن ثم يقال: رزق البهيمة، ولا يقال: ملكها، وكذلك يفترق الحال بين الرزق والمال بأن الرزق قد يطلق على ما لا يسمى مالاً كالماء والكلأ، بخلاف المال. حجة العدلية أنه يجب الشكر على الرزق، ومن أخذ مال الغير فأعطاه آخر لم يحسن أن يشكر؛ لأنه ظلم وقبيح، فثبت أن الله لا يرزقنا مال الغير على وجه الظلم، وإذا ثبت في مال الغير ثبت في غيره مما منع الشرع من تناوله أنه لا يسمى رزقاً، ولو كان رزقاً لما عوقب أحد على تناول رزقه، ولذلك عِبْنَا على من حد الرزق بما يغتذى به، ويتمكن من الاغتذاء به؛ لأن مال الغير يمكن الاغتذاء به، وليس برزق للغاصب ونحوه، ولأن الحرام لو كان رزقاً لجاز أن ينفق الغاصب منه؛ لقوله تعالى: {أَنْفِقُوا مِمَّا رَزَقْنَاكُمْ}[البقرة: ٢٥٤]، وأجمع المسلمون على أن الغاصب لا يجوز له أن ينفق مما أخذه، بل يجب رده، فدل على أن الحرام لا يكون رزقاً؛ ولأن الله تعالى مدح المنفقين من أرزاقهم قال تعالى: {وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ٣}[البقرة] وهو سبحانه لا يأمر بإنفاق مال