المسألة الثانية [في الكفر]
  قال الإمام المهدي #: فقطعنا أنه لا ذنب يستحق عليه أعظم أنواع العقاب إلا ما تضمنته حقيقة الكفر التي قدمنا، فلا كفر حينئذٍ غيرها؛ إذ علمنا بالتتبع أنه لا معصية إلا وهي دونها، فلا كفر إلا ما دخل فيها.
  قال #: وبذلك يبطل إثبات كفر لا دليل عليه.
  فإن قيل: أليس يجوز من الكافر أن يبطن كفره حتى لا نعلمه، ولا يمكننا إجراء الأحكام عليه، فكذلك لم لا يجوز أن يكون كفر لا دليل عليه أصلاً؟
  فالجواب: أنا لو جوزنا كفراً لا دليل عليه، وقد أوجب الشرع إجراء تلك الأحكام على مرتكبه لكان تكليفاً بما ليس في الوسع، فلا يجوز إثباته بحال، فثبت أن هذا التكليف موقوف على ما يظهر لنا، وبهذا يتبين أنه ليس مراد أصحابنا إلا أنه يجب أن يكون على جنس كل كفر دليل بحيث يمكننا إجراء الأحكام عند ظهوره، وأنه لا يجوز أن نعلم ذنباً وهو في علم الله كفر ولا ينصب لنا عليه دليلاً، لا أنه يجب أن يعلم كل كفر ويظهر؛ كالسرقة فإنه لا بد من أن يكون عليها دليل بحيث إذا علمنا وقوعها أمكننا إجراء الحكم على فاعلها، وإن كان يجوز منه أن يبطنها ولا يظهرها، وبهذا يظهر أن الفرق بين كفر يكتمه فاعله، وبين كفر لا دليل عليه. والله أعلم.
  فإن قيل: الخطاب الوارد عن الله، وعن رسوله صلى الله عليه في إجراء الأحكام على الكفار غير عام، وإنما هو متعلق بالكفر المعهود الذي