مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1568 - الجزء 3

  فإنه محل الاعتقادات، ولا مانع من أن يجعل الله لهم إليه سبيلاً، وليست الأعمال بأوضح من العلامات بالنظر إلى أعمال القلوب.

  قلت: لكن يرد على هذا ما روي: «أن الله تعالى يقول للملائكة: أنتم حفظة على عمل عبدي، وأنا رقيب على ما في قلبه» الخبر.

  إذا عرفت هذا فالختم بهذا المعنى لا يمنع⁣(⁣١) كما لا يمنع ختم الكتاب من فكه، وكما لو كتب على عضو من أعضائه أنه كافر فإنه لا يمنعه من الإيمان.

  وقال الإمام القاسم بن محمد #: التحقيق أنه عبارة عن سلب الله تعالى إياهم تنوير القلب الزائد على العقل الكافي في التكليف، لأن من أطاع الله نور الله قلبه، كما قال الله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ}⁣[التغابن: ١١] {وَالَّذِينَ اهْتَدَوْا زَادَهُمْ هُدًى}⁣[محمد: ١٧] ومن عصى الله لم يمده بشيء من ذلك ما دام مصراً على عصيانه، فشبه الله سلبهم ذلك التنوير بالختم، والطبع على الحقيقة، والجامع عدم الانتفاع بالقلوب وكذلك الختم على الأسماع؛ لأن من سلبه الله التنوير المذكور لم ينتفع بما علمه وسمعه من البينات والهدى فكأنه لا يعلم ولا يسمع.

  قلت: وهذا كقول الهادي #: إن معناه الخذلان وهو ترك التوفيق والتسديد. وأما الغشاوة فحقيقتها في اللغة: الغطاء المانع من الإبصار، ومعلوم من حال الكفار خلاف ذلك، فلا بد من حمله على المجاز، وهو تشبيه حالهم بحال من لا ينتفع ببصره في باب الهداية.


(١) أي لا يمنع من الإيمان. تمت. مؤلف.