قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  وقد قيل: إن العقل كالحكيم إن طلبته وجدته، وإن غفلت عنه لم يطلبك، وهوى النفس كالعدو الذي إن غفلت عنه لم يغفل عنك، والطاعة والمعصية تكثران وتقلان بحسب استعمال العقل وإهماله، ومتابعة الهوى والشيطان المتابعة التامة أو دونها، وذلك معلوم، وبهذا يبطل قوله: إن الطاعة والمعصية بقضاء الله.
  وأما قوله: وليس من العدل أن يخلق العاصي على ما خلقه عليه ... إلخ.
  فالجواب: أنا قد بينا أن الله قد جعل لكل مكلف من العقل ما يكفيه، وتقوم به الحجة عليه، ولم يخلق فيه من الخصال المذمومة ما يعاقب عليه، وإنما خلقه متمكناً من الفظاظة، واللين، وسوء الخلق، وأضدادها، ومتمكناً من تركها؛ والدليل على ذلك أنه نهاه عن مساوئ الأخلاق التي هذه منها، وذمه على فعلها، وتوعده عليها وأمره بمكارم الأخلاق، ومدحه عليها، ووعده الثواب العظيم بفعلها، ولم ينهه عن سواده، وعدم اعتدال قامته، ولم يذمه عليهما، ولا على غيرهما مما ليس داخلاً تحت مقدوره، ولم يمدحه على حسن الصورة ونحوها، ولم يأمره بها، فلو كان الكل من أفعال الله لاستوت في ثبوت المدح والذم، والأمر والنهي أو عدمها، وثبت أن الله تعالى لم يخلق الفظاظة واللين، والطاعة والمعصية في العبد، بل هي فعل العبد حاصلة باختياره؛ وحينئذٍ لا يقبح العقاب على المعاصي.