قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}
  وأما قول الرازي: وإذا كانت هذه الأمور بخلق الله فالطاعة والمعصية بقضاء الله، فقول باطل؛ إذ ليس العقل ونحوه بموجب حتى إذا وجدوا وجدت الطاعة لا محالة، وإنما هو معرف وداع إليها على جهة الهداية والإرشاد، وأما وقوعها فموكول إلى اختيار العبد؛ ثم إنه يلزم أن يكون العبد طائعاً باعتبار ما ركب فيه من العقل، عاصياً باعتبار ما فاته من الزيادة على جهة الإيجاب، والمعلوم خلاف هذا، فإن كثيراً من الكفار لم تقع منه طاعة الله أصلاً لا بالتشريك ولا بغيره كعبدة النار والبقر وغيرهم، فانتفى أن تكون هذه الغرائز موجبة.
  وأما قوله: ولا يُمكن التسوية بين الطائع والعاصي في العقل والجهل ... إلخ فغير مسلم، فإن ذلك من الممكنات، والعجب منه إذ قال: إن ذلك من فعل الله، ثم قال: لا يُمكن التسوية في ذلك، فينسب الله تعالى إلى العجز تعالى الله عن ذلك علوًا كبيراً، فلا يعجزه شيء وهو على كل شيء قدير؛ وليت شعري ما مستند هذه الدعوى، هل ذلك من المستحيل لذاته أو لغيره، وقد بينا كل واحد منهما في المسألة الرابعة، وإمكان التسوية خارجة عن تلك الأقسام، فتأملها موفقاً. وكذلك لا ملازمة بين استوائهما في العقل والجهل، واستوائهما في الطاعة والمعصية، فإنه لا مانع من الاستواء في العقل، ويكون أحدهما طائعاً والآخر عاصياً؛ لما بينا من أن العقل غير موجب، بل من استعمل عقله حصلت منه الطاعة، ومن ترك استعماله واتبع هوى نفسه حصلت منه المعصية، فالطاعة والمعصية باختيار العبد بحسب استعمال العقل وعدمه.