مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1649 - الجزء 3

  وأما ما ذكره من المثال فلا جامع بينه وبين ما نحن فيه، ونحن نقول: إن هذا العبد لا يحسن عقابه لأنه لم يخل بواجب ولم يفعل قبيحاً، وإنما فوت على نفسه منفعة محضة.

  الشبهة السادسة: أنا وإن سلمنا استحقاق العقاب، فمن أين الدوام، والمعلوم أن أقسى الناس قلباً إذا عذب من بلغ في الإساءة يوماً أو شهراً أو سنة فإنه يشبع منه ويمل، ولو واظب عليه لامه كل أحد، وقالوا: هب أنه بالغ في إضرارك، ولكن إلى متى هذا التعذيب، فإما أن تقتله وتريحه، وإما أن تخلصه، فإذا قبح هذا من الإنسان الذي يلتذ بالانتقام، فالغني عن الكل كيف يليق به هذا الانتقام، مع أنه قد نهى عباده عن استيفاء الزيادة فقال: {فَلَا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كَانَ مَنْصُورًا ٣٣}⁣[الإسراء] وقال: {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا}⁣[الشورى: ٤٠]، فصح أن ما زاد على القدر المستحق كان ظلماً.

  قلت: هذه الشبهة يوردها جهم وأصحابه في منع دوام عقاب الفساق، ولعل الرازي لم يوردها إلا لذلك، وإن كان الظاهر أنه إنما حكاها عن من يمنع عقاب الكفار، وعليه فله فيها مآرب أخرى، قد تقدمت الإشارة إليها.

  والجواب: أن حاصل هذه الشبهة منع دوام العقاب، فلا بد من إقامة الدليل على ذلك أولاً، ثم حل هذه الشبهة التي أيد بها دعواه ثانياً.

  ونسأل الله الإعانة، وتنوير القلب والهداية إلى الإنصاف، ومعرفة الحق، فنقول: لنا في ثبوت دوام العقاب أدلة: