مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

قوله تعالى: {إن الذين كفروا سواء عليهم أأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون 6 ختم الله على قلوبهم وعلى سمعهم وعلى أبصارهم غشاوة ولهم عذاب عظيم 7}

صفحة 1650 - الجزء 3

  أحدها: أن العقاب كالذم يثبتان في الاستحقاق معاً ويزولان معاً حتى لا يثبت أحدهما مع سقوط الآخر، ومعلوم أن الذم يستحق على طريق الدوام، فوجب في العقاب مثله.

  فإن قيل: ولم قلتم: إنهما يثبتان معاً ويسقطان معاً؟

  قيل: لأن المثبت لأحدهما هو المثبت للآخر، والمسقط لأحدهما هو المسقط للآخر، فالمثبت: هو الإقدام على المعاصي، والإخلال بالواجب، والمسقط: هو التوبة، أو طاعة هي أعظم من المعصية على قول. وإذا كان المؤثر في استحقاقهما واحداً وجب إذا استحق أحدهما على الدوام أن يستحق الآخر كذلك؛ لأنه لا يجوز في شيئين استحقا على وجه واحد وكان المؤثر في ثبوتهما وإسقاطهما واحداً أن يستحق أحدهما دائماً والآخر منقطعاً، هذا محال ذكره السيد مانكديم.

  فإن قيل: ولم قلتم: إن الذم يستحق على الدوام؟

  قيل: لأن المعلوم ضرورة أن من لطم والده وكان مصراً عليه فإنه يحسن منه ومن غيره ذمه على ذلك الصنع دائماً، حتى لو قدر أن يميته الله ثم أحياه لكان يحسن ذمه على هذا الصنع.

  فإن قيل: إن الذم ليس بضرر فجاز استحقاقه دائماً، وليس كذلك العقاب فإنه ألم وضرر في نفسه فلا يجوز استحقاقه دائماً.

  قيل: إن الذم قد ينزل منزلة الضرر وأبلغ منه إذا قصد استهانة العاقل ونقصه في ارتكاب القبيح، فإذا كان بمنزلة الضرر وجاز استحقاقه دائماً فكذلك العقاب.