المسألة الثانية [في التكليف]
  فإن قيل: ومن أين لكم أن المنقسم لا يكون إلا جسماً أو جسمانياً؟
  قيل: ذلك معلوم، فإنه لا يعقل انقسام فيما ليس بمتحيز ولا حال في المتحيز؛ إذ لاجهة لغير المتحيز، ومن ضرورة المتحيز أن يكون في جهتين، وإلا لم يعقل انقسامه.
  فإن قيل: وما الدليل على أن ذلك يستلزم كون الإنسان غير جسم ولا جسماني؟
  قيل: هو أنه قد ثبت بالاتفاق أن محل العلم هو الإنسان، وقد بطل بما قررنا أن يكون محله منقسماً، والجسم منقسم، فبطل كون الإنسان جسماً أو جسمانياً. وهذه أقوى شبههم.
  والجواب: أن هذه الشبهة مبنية على إنكار الجوهر الفرد، وأن الجسم ولا ينتهي إلى جزء لا ينقسم، وقد مر في الفاتحة إثبات ذلك، وبطلان مقالة من أنكره، وإذا بطلت فلنا أن نقول: العلم المذكور حال من الإنسان الذي هو هذه الجملة المشاهدة في جزء من أجزاء القلب لا ينقسم، فلم يلزم من حلوله في الجسم انقسامه؛ ثم إنا نعارضكم بالوهم وهو عندكم جسماني مع كونه لا ينقسم، فما أجبتم به فهو جوابنا، ثم إنا لو سلمنا لكم ما بنيتم عليه من إنكار الجوهر الفرد، فنقول: لم جعلتم العلة في استحالة انقسام العلم استحالة انقسام معلومه؟ فإن وجه الملازمة في ذلك غير معلوم، ولو لم تكن العلة إلا ما ذكرتم للزم صحة انقسام العلم المتعلق بما يصح انقسامه، ثم لم قلتم: أن ما يستحيل انقسامه يستحيل أن يحل في منقسم؟