تفسير قوله تعالى: {ومن الناس من يقول آمنا بالله وباليوم الآخر وما هم بمؤمنين 8}
  إنسان حيَّانِ ضم بعضها إلى بعض كما قدمنا، وتلك الإلزامات باقية؛ لأنا نعلم ضرورة أن أحدنا لا يدرك ما يدركه زيد، وأنه لا وجه لذلك إلا كونه ليس حياً بحياته. قال: والأقرب أنهم يوافقوننا على أن اتصال الإنسان بهيكله ليس على هذا الوجه لما فيه من مدافعة الضرورة كما أوضحنا، وأما إذا جعلوا اتصاله به اتصال مداخلة لا مجاورة، فإما أن يقولوا بأن الحياة الحالة في بعضه موجبة للصفة لجملته، أو لمحلها فقط، إن كان الثاني كان اتصاله هنا اتصال مجاورة وعادت الإلزامات، وإن كان الأول وهو أن أجزاء الإنسان، وهي الجملة التي لا تصح الحياة إلا بمجموعها متصلة بهيكلها اتصال جملة المهزول بسمنه إذا سمن بحيث أن كل جزء منه حلته حياة، أوجبت الجملة أجزاء هيكله كونها حية بشرط وجود حياة في كل جسم، فهذا هو مذهبنا، وقد عاد الخلاف بيننا وبينهم إلى الوفاق، وصح قولنا وقولهم: إن الإنسان جملة لطيفة في هذا الهيكل لا تصح حياته إلا بمجموعها، وحينئذ تحمل الآيات الكريمة، والآثار على ظاهرها، وهو أن ثم جملة هي الإنسان، تلك الجملة هي التي تنزع عن الهيكل فتبطل حياته بنزعها عنه؛ إذ لا يكون الحي حياً إلا بها، فهي التي تنزعها ملائكة الموت بأمر ربها، وهي الموضوعة في أجواف طير خضر، والمناداة يوم القليب، والممسكة عند الموت، والمرسلة عند النوم، وهي والهيكل في حالة حياته كالشيء الواحد؛ لأن الحياة التي تحل في أجزاء تلك الجملة توجب صفة الحيية لكل ما اتصل ببنيتها