تفسير قوله تعالى: {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون 15}
  ومنهم ساخراً، ولهم خادعاً، وبهم ماكراً، على ما ذكر في معنى هذه الألفاظ، واستدل على ذلك برواية أسندها عن ابن عباس أنه قال في قوله: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ}[البقرة: ١٥]: أي يسخر بهم للنقمة منهم، قال: والله في ذلك غير ظالم لهم؛ لأنه إنما جزاهم بما يستحقونه على أفعالهم.
  قال: وأما من زعم أن ذلك على جهة الجواب، وأنه لم يكن من الله استهزاء، ولا مكر، ولا خديعة، فقد نفى عن الله ما أثبته لنفسه، وليس إنكاره لذلك إلا كإنكار ما أخبر الله به عن نفسه من أنه خسف بقوم، وأغرق آخرين؛ وأما الفرق في الإقرار بهذا دون هذا، فإن قال: إن الاستهزاء عبث ولعب يجب نفيه عن الله دون الخسف والغرق فهو عقوبة مستحقة.
  قيل له: ألست تقول: الله يستهزئ بهم، سخر الله منهم، وإن لم يكن من الله هزؤ ولا سخرية بزعمك، فإن قال: لا، كذب القرآن، وإن قال: نعم، قيل له: أفتقول من الوجه الذي قلت: الله يستهزئ بهم، ويسخر منهم يعني الوجه المجازي: الله يلعب بهم، ويعبث على جهة المجاز من دون أن يثبت لعباً وعبثاً حقيقة، فإن قال: نعم، وصف الله تعالى بما أجمع المسلمون على نفيه عنه، وعلى تخطئة واصفه به، وأضاف إليه ما قد قامت الحجة من العقول على ضلال مضيفه فاظ إليه، وإن قال: لا، قيل له: فقد فرقت بمعنى معنى اللعب والعبث والهزء والسخرية ونحوهما، وبه يعلم أن لكل منهما معنى غير الآخر. هذا تلخيص كلامه مع بيان بعض مقاصده.