مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {الله يستهزئ بهم ويمدهم في طغيانهم يعمهون 15}

صفحة 1821 - الجزء 3

  فيمشون عليها، ويظنون النجاة فتخسف بهم، أو عن ضرب السور بينهم وبين المؤمنين، أو عن التهكم بهم في قوله تعالى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ ٤٩}⁣[الدخان] أو عن الحيلولة بينهم وبين النور الذي يعطاه المؤمنون حيث يقولون لهم: {انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ}⁣[الحديد: ١٣] أو عن طردهم عن الجنة إذا أمر بناس منهم إلى الجنة، ودنوا منها، ووجدوا ريحها، ونظروا إلى ما أعد الله فيها لأهلها.

  قال أبو حيان: وهو حديث فيه طول، روي عن عدي بن حاتم، فقال: ونحى هذا المنحى ابن عباس، والحسن. أو توبيخه إياهم ولومه لهم على ما ارتكبوا، كما يقال: فلان يهزء منه ويسخر به، يراد بذلك توبيخ الناس إياه ولومهم له. وهذه الوجوه منها ما يمكن حمله على المجاز ولا بأس به، ومنها مالا يمكن فيه ذلك، فلا يجوز حمل القرآن عليه، سيما على قواعد العدل.

  وأما ابن جرير فقد سلك في التأويل مسلك الحقيقة، وذلك أنه قال: إن معنى الاستهزاء عند العرب إظهار المستهزئ للمستهزء به من القول والفعل ما يرضيه ظاهراً، وهو بذلك يريد به المساءة باطناً، وكذلك معنى الخداع، والمكر، والسخرية عنده، وإذا كان ذلك كذلك، كان الله بما أظهره لهم في الدنيا من إلحاقه أحكامهم بأحكام المسلمين، وحشرهم في الآخرة مع المؤمنين، مع علمه بخبث عقائدهم، ثم إنه بعد ذلك ميز بينهم في الجزاء، فهؤلاء في جنات النعيم، وهؤلاء في الدرك الأسفل من الجحيم بهم مستهزئاً⁣(⁣١)،


(١) خبر كان في قوله كان الله بما أظهر ... إلخ. تمت مؤلف.