تفسير قوله تعالى: {أولئك الذين اشتروا الضلالة بالهدى فما ربحت تجارتهم وما كانوا مهتدين 16}
  وهو عند جماعة من المحدثين. وكل هذا يدل على أنه لا يعتبر إلا ما يدل على الرضا؛ ألا ترى أنه في شراء السراويل لم يزد على المساومة، وفي حديث جابر لم يزد على سؤال البيع، ولم يكن من جابر غير قوله: هو ناضحك، وكذلك في حديث الحلس إنما قال:
  «هما لك» وفي رواية: فقال: «خذ» فلو كان ثمة ناقل شرعي ينقل معنى البيع والشراء عن معناهما اللغوي لما خفي نقله، كسائر الشرعيات؛ وقد عرفت مما أسلفنا لك عن معنى الاشتراء أن أهل اللغة لم يعتبروا في معنى البيع أمراً زائداً على مجرد المبادلة، والشرع لم يزد في ذلك إلا اعتبار الرضا. ويزيد المعنى اللغوي تحقيقاً ما ذكره الراغب في مفرداته حيث قال: البيع: إعطاء المثمن، وأخذ الثمن، والشراء إعطاء الثمن، وأخذ المثمن، ثم ذكر أنه قد يطلق أحدهما على الآخر. وقال في مادة شرى: الشرى والبيع متلازمان، فالمشتري دافع الثمن، وآخذ المثمن، والبائع دافع المثمن وآخذ الثمن، هذا إذا كانت المبايعة بناض(١) وسلعة، فأما إذا كانت بيع سلعة بسلعة صح أن يتصور كل واحد منهما مشترياً وبائعاً.
  قال: ومن هذا الوجه صار لفظ البيع والشرى يستعمل كل واحد منهما في موضع الآخر، فهذا نص منه وتصريح بأن القول غير معتبر في معنى البيع والشرى عند أهل اللغة؛ وأهل القول الأول معترفون بذلك، وإلا لما ادعوا النقل الشرعي، ولكنها دعوى لا دليل عليها كما عرفت، بل قام على خلافها.
(١) أي نقد. تمت مؤلف.