مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {ذهب الله بنورهم وتركهم في ظلمات لا يبصرون 17 صم بكم عمي فهم لا يرجعون 18}

صفحة 1851 - الجزء 3

  فكان مثلهم كمثل رجل كان في ظلمة، فأوقد ناراً، فأضاءت له ما حوله من قذى أو أذى، فأبصره حتى عرف ما يتقي، فبينا هو كذلك إذ طفئت ناره، فأقبل لا يدري ما يتقي من أذى، فكذلك المنافق كان في ظلمة الشرك، فأسلم، فعرف الحلال من الحرام، والخير من الشر، فبينا هو كذلك إذ كفر، فصار لا يعرف الحلال من الحرام، ولا الخير من الشر؛ فهؤلاء الصحابة فسروا الآية باعتبار الواقع، والمعنى الحقيقي لها، فنسبوا الكفر والنفاق إلى فاعليه⁣(⁣١)، وهذا يقوي كون النسبة إلى الله تعالى على جهة المجاز؛ لأن المفسر يحل المعنى باعتبار ما في نفس الأمر، لاسيما وفيهم ابن عباس، وابن مسعود، ومحلهما في معرفة تأويل القرآن ومعانيه لا يجهل.

  الوجه الثالث: أن يحمل على قصد المبالغة في التشبيه، ومعناه أنهم في ضلالهم وحيرتهم، وعدم انتفاعهم بما عرفوا من نور الهدى بمنزلة من ذهب الله بنوره؛ لأن من ذهب الله بنوره، ولم يدله، ولم يهده، فلا شك أنه لا يهتدي، ولا يرجع إلى الحق؛ وحاصله أنهم من فرط تمكنهم في الضلال، وثباتهم فيه، وعدم انتفاعهم بهداية الله تعالى بمنزلة من فعل الله بهم ذلك، أي ذهب بنورهم وإن لم يكن منه تعالى إذهاب لنورهم؛ بل لم يذهبه، فإن العقول كاملة والآيات متواصلة، وقد مر نظير هذا عن بعضهم في قوله تعالى: {خَتَمَ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِهِمْ}⁣[البقرة: ١٧] ويشهد له قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ ...} الآية [البقرة: ١٨]،


(١) مع أن ظاهر الآية أنه منسوب إلى الله تعالى. تمت مؤلف.