المسألة الرابعة [في أن المعدوم شيء]
  احتج الأولون بوجوه:
  أحدها: أن للقادر العالم تعلقاً بمقدوره ومعلومه، وإذا لم تكن ذوات العالم ثابتة في الأزل لم يصح تعلق القدرة والعلم بها؛ الاستحالة تعلق القدرة والعلم بالمعدوم المحض. وتوضيح ذلك أن يقال: معنى تعلق القادر بمقدوره أن يصح إيجاده له، وهذا التعلق حكم يعلم بين القادر والمقدور، فلا بد أن يكون المقدور ذاتاً أو صفة ليعلم الحكم بينه وبين القادر، وباطل بالاتفاق أن يكون صفة(١)، فتعين أن يكون ذاتاً، وإلا كان الحكم قد علم لا بين غيرين، ولا بين غير وما يجري مجراه، وهكذا يقال في تعلق العالم بالمعلوم؛ إذ معنى تعلقه به أنه يعلمه على ما هو به، وهذا التعلق حكم ... إلى آخره.
  والجواب من وجهين:
  أحدهما: أنه ليس من شرط الحكم أن يكون المقدور والمعلوم ذاتاً أو صفة في الحال، كما يفيده كلامكم، فإن صحة وجود المقدور حكم علم بينه وبين الوجود، مع عدم ثبوت الوجود في الحال.
  الثاني: أن معنى التعلق هو أن القادر العالم يصح منه لذاته أو لاختصاصه بصفة، على الخلاف أن يجعل ذاتاً، وأن يعلم ما سيجعل؛ لا أن في العدم ذاتاً معينة يصح إيجادها، والعلم بها.
  الوجه الثاني: أن أحدنا يفصل في حال عدم الأشياء بين ما يقدر عليه، وبين ما لا يقدر عليه، ولو لم يكن المعدوم ذاتاً لما صح
(١) لأنها لا توجد إلا تابعة للموصوف. تمت مؤلف.