تفسير قوله تعالى: {ولو شاء الله لذهب بسمعهم وأبصارهم إن الله على كل شيء قدير 20}
  هذا التمييز؛ لأن الفصل بين الأشياء راجع إلى ذواتها.
  والجواب: أن التمييز يرجع إلى تصور حقائقها وما هيتها، وهو لا يقتضي كونها ذواتاً ثابتة في العدم.
  قال في المعتمد: تصور المعدوم كتصورنا ثاني القديم، والبقاء، والإدراك، ومعلوم أن تصور هذه الأشياء لا يقتضي كونها ذواتاً.
  قالوا: لا نسلم صحة تصور ثاني القديم، وسائر ما ليس بشيء؛ لأن التصور علم بصور الأشياء وما هيتها، وليس الثاني القديم ماهية يمكن تصورها.
  قلنا: لا نسلم أن التصور يشترط فيه العلم بصور الأشياء وما هياتها، بل يكفي التصور بوجه ما، كما ذكره المحققون في تصور المستحيل؛ وليس للخصم أن يدعي أن المستحيل شيء؛ لأنه ليس بشيء اتفاقاً، ولا أن يقول: إن العلم لا يتعلق به، فإن انكار ذلك مكابرة؛ لأن كل عاقل يجد من نفسه العلم باستحالة اجتماع النقيضين والضدين. قال بعض المحققين: المستحيل لا تحصل له صورة في العقل، فلا يمكن أن يتصور شيء هو اجتماع النقيضين والضدين، فتصوره إما على جهة التشبيه، بأن يعقل مثلاً بين السواد والحلاوة أمر هو الاجتماع، ثم يقال: مثل هذا الأمر الذي عقلناه لا يمكن حصوله بين السواد والبياض، أو نحو ذلك؛ وحاصله أن تصور ما لا وجود له في الخارج صحيح، وأن التصور بوجه ما كاف، ولو على جهة الفرض، فيكون تصور نفي ثاني القديم، وسائر ما ليس بشيء صحيح،