تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  واعلم أن الرازي قد أجاب عن هذه الشبهة، فقال: من الناس من قال: الأمر بالعبادة مشروط بحصول المعرفة، كما أن الأمر بالزكاة مشروط بحصول ملك النصاب؛ وهؤلاء هم القائلون بأن المعارف ضرورية. وأما من لم يقل بذلك واستدل بهذه الآية على أن المعارف ليست ضرورية، فقال: الأمر بالعبادة حاصل، والعبادة لا تمكن إلا بالمعرفة، والأمر بالشيء أمر بما هو من ضرورياته، كما أن الطهارة إذا لم تصح إلا بإحضار الماء كان إحضار الماء واجباً، والدهري لا يصح منه تصديق الرسول إلا بتقديم معرفة الله تعالى فوجبت، والمحدث لا تصح منه الصلاة إلا بتقديم الطهارة فوجبت، والمودع لا يمكنه رد الوديعة إلا بالسعي إليها، فكان السعي واجباً؛ فكذا هاهنا، يصح أن يكون الكافر مخاطباً بالعبادة، وشرط الإتيان بها الإتيان بالإيمان أولاً، ثم الإتيان بالعبادة بعد ذلك. بقي قولهم: الأمر بتحصيل المعرفة محال، قلنا: هذه المسألة مستقصاة في الأصول، والذي نقوله هاهنا: إن هذا الكلام وإن تم في كل ما يتوقف العلم بكون الله أمراً على العلم به فإنه لا يجري فيما عدا ذلك من الصفات، فلم لا يجوز ورود الأمر بذلك؟ سلمنا ذلك، فلم لا يجوز أن يقال: هذا الأمر يتناول المؤمنين؟
  قوله: لأنه يصير بذلك أمراً بتحصيل الحاصل، وهو محال.
  قلنا: لما تعذر ذلك، فنحمله إما على الأمر بالاستمرار على العبادة، أو على الأمر بالازدياد منها، ومعلوم أن الزيادة على العبادة عبادة، فصح تفسير قوله: اعبدوا بالزيادة في العبادة.