مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

المسألة الأولى [في خطاب المشافهة]

صفحة 1959 - الجزء 3

  لأنه مترتب على صحة الأمر بالمعرفة، وقد عرفت استحالته، سواء كان المأمور عارفاً أم لا. قال: ويستحيل أن يكون الأمر بالعبادة للمؤمنين؛ لأنهم يعبدون الله، فأمرهم بها يكون أمراً بتحصيل الحاصل.

  واعلم أن الرازي إذا وجد كلاماً يتشبث به في تقرير أصل قد اعتقده انتهز الفرصة في نقله وتهذيبه، وهذا الكلام من ذلك القبيل؛ لأنه يقرر به مذهبه في تكليف مالا يطاق، وقد سبقه إلى ذلك ابن جرير، فإنه قال: هذه الآية من أدل دليل على فساد قول من زعم أن تكليف ما لا يطاق غير جائز، وذلك أن الله تعالى أمر بعبادته من آمن به ومن كفر، بعد إخباره عنهم أنهم لا يؤمنون، وأنهم عن ضلالتهم لا يرجعون.

  والجواب: أن هذا القول في غاية الفساد، وقد تقدم إبطاله. وأما قول الرازي: إن الأمر بالمعرفة محال فباطل؛ لأن معرفة الله مقدورة لنا لقدرتنا على سببها الذي هو النظر، والدليل على أن النظر مقدور لنا وقوفه على قصودنا ودواعينا، كسائر أفعالنا، وإذا كانت مقدورة لم يكن الأمر بها محالاً، كسائر الواجبات، وأما قوله: وإن كان الأمر للمؤمنين كان محالاً فوجه بطلانه أن الأمر لهم بالعبادة أمر بالإستدامة عليها؛ على أنه يلزم على هذا التقرير استحالة الأمر بالعبادة من حيث هي؛ لأن المأمور لا يكون عابداً إلا بعد حصول العبادة، وحصول العبادة متوقف على حصول الأمر بالمعرفة، والمفروض أن حصول الأمر بالمعرفة محال، فيكون الأمر بالعبادة مستحيلاً دائماً؛ لترتبه على المستحيل، لا سيما على القول بأن معرفة الله نظرية.