المسألة الثانية [تخصيص من لا يفهم بعدم التكليف]
  تكليف مالا يطاق أنهم مكلفون؛ وقد تقدمت المسألة، وأبطلنا ما أوردوه من الشبه في المسألة الرابعة مما يتعلق بقوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ ...} الآية [البقرة: ٦]؛ وقد احتجوا على تكليف الغافل(١) بصحة طلاق السكران ووقوعه، ولذا كان مؤاخذاً به، والمؤاخذة فرع التكليف. لنا: لو لم يكن الفهم شرطاً في التكليف لصح تكليف البهائم؛ إذ لا مانع يقدر فيها إلا عدم الفهم، وقد فرض أنه ليس بمانع، واللازم باطل.
  قلت: ولأن المطلوب بالتكليف الامتثال. وهو الاتيان بالفعل على قصد الطاعة، ولا ريب في استحالة هذا الامتثال ممن لا يفهم الخطاب؛ وأما مؤاخذة السكران بطلاقه عند من قال به. فليس من قبيل التكليف، بل من قبيل ربط الأحكام بأسبابها، فيقال: وجد سبب الفراق وهو اللفظ بالطلاق، فوجب وقوع المسبب الذي هو الفراق، كما قيل من الصبي إذا قتل غيره، فإن قتله سبب في وجوب الدية من ماله على وليه، مع أنه غير مكلف؛ وقد قيل: إن العلة في صحة طلاقه المعصية، تغليظاً عليه، فعلى هذا ينفذ ما عليه فيه خسر كالطلاق، والعتاق، والهبة، لا ما فيه نفع له كالنكاح ونحوه، وقيل: العلة في ذلك أن زوال عقله إنما يعلم من جهته، فلا يقبل قوله في زواله لفسقه، فيقع ظاهراً لا باطناً؛ وأي العلتين كانت فلا يصح لهم الاحتجاج بوقوع ذلك منه على مطلوبهم.
(١) بالغين المعجمة والفاء. تمت مؤلف.