تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  السابقة للزم اختلاف التكليف باختلاف النعم، ونحن نجد مَنْ تكليفه أشق والإنعام عليه أقل؛ ولأنه لا نفع لله في التكليف فيلزمنا به لأجل إنعامه علينا، ولا لنا؛ لأنه مشقة لا يقابلها جزاء، فيكون عبثاً. وبهذه الحجج تعرف بطلان ما استدل به الأولون من الدليل العقلي، وهو قولهم: إن من أنعم على غيره فأنه يجوز له أن يكلفه إلى آخره؛ وقد نص السيد ما نكديم على أن ذلك لا يحسن إلا فيما ليس فيه كثير مشقة، قال: وليس كذلك ما كلفنا الله تعالى. ففي ذلك ما يتضمن الجود بالنفس، والمخاطرة بالروح، فلا يقاس ما أورده - يعني أبا القاسم - بما ذكرناه؛ ولهذا فلو كلف المنعم الذي وصفه(١) المنعم عليه بما يتضمن المشقة العظيمة نحو المواظبة على خدمته، والقيام بين يديه آناء الليل والنهار، وما شاكل ذلك لم يحسن البتة. وقد أورد القرشي وغيره وجوهاً يقررون بها مذهبهم، ويبطلون به من مذهب خصومهم، منها: أن مثل هذا القدر من النعم لا يقابل إلزام المشاق، وإنزال العقاب على الإخلال به. ومنها: أن حسن التكليف مشروط بأصول النعم، فلا يصح أن يكون في مقابلها التكليف. واعترضه الإمام عز الدين بأنه ليس اشتراط أصول النعم في حسن التكليف يدفع أن يكون ما كلف المكلف به ساقطاً ثوابه لأجل تلك النعم، وهي وغيرها لا تمنع من ذلك، بل تناسبه، فإنه يقال: لولا حصول تلك النعم التي تتوجه على العبد لأجلها تلك الطاعات لما حسن من الحكيم إلزامه إياها؛
(١) أي الذي وصفه أبو القاسم. تمت مؤلف.