مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 1970 - الجزء 3

  ألا ترى أن الشكر لا يحسن إلا مع تقدم النعمة التي تستدعيه، فحسنه مشروط بحصولها، ولا يمنع ذلك من أن يكون في مقابلها، ومن كون المنعم لا يجب عليه للشاكر ثواب وجزاء غير ما تقدم منه من الإنعام. ومنها: أن الشرعيات وردت على كيفيات مختلفة. من قيام، وقعود، ومشي، ووقوف، وغير ذلك، ونعمة السيد على عبده لا تقتضي ذلك الاختلاف قطعاً؛ إذ لا فائدة لاختلاف الفعل المشكور به، وإنما يقتضيه كونها ألطافاً. ورده في الأساس بأن النعمة تقتضي الامتثال من المنعم عليه للمنعم، بفعل ما أوجبه عليه، ومطابقة مراده في تأديته على تلك الكيفية؛ إذ العقل يقضي بتحريم مخالفة المنعم، ولذلك⁣(⁣١) وجبت تلك الواجبات؛ ولو كانت لطفاً لم تجب؛ لأنها ليست مقصودة بالوجوب عندهم، وإنما الواجب الحقيقي هو العقليات، والعبد متمكن من الإتيان بها من دون الشرائع، والمعلوم أن الله تعالى قد أوجبها، وهو حكيم لا يوجب ما لا يجب - يعني ولا وجه لوجوبها إلا كونها شكراً -، ومنها: أنه يؤدي إلى أن يسقط وجوب شكر نعمة الله علينا؛ لأنا قد فعلنا ما يقابلها، بل كان يلزم أن لا يبقى له علينا نعمةٌ، وخلافه معلوم. واعترضه الإمام عز الدين بأن الشكر من جملة الواجبات المستحقة لأجل نعمة الله، فلا معنى لإلزام سقوطه. وأما قولهم: بل كان يلزم أن لا يبقى له علينا نعمة فقال # في رده: ليس مقابلتنا للنعمة بما يجب لأجلها، من الشكر وما يجري مجراه يلزم منه انتفاؤها ومصيرها في حكم العدم، بل يلزم منه قيامنا بحقها؛ ومقابلتها


(١) أي ولكون النعمة تقتضي الامتثال وجبت. تمت مؤلف.