مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2036 - الجزء 4

  إلا بعد معرفة المطاع، فكان تحصيل المعرفة واجباً؛ لأن وجوب دفع الضرر عن النفس معلوم ضرورة، مظنوناً كان أو معلوماً، إلا أن وجه الوجوب في المعلوم هو كونه دفعا للضرر، وفي المظنون هو الظن لدفع الضرر.

  فإن قيل: لم جعلوا تحصيل المعرفة جارياً مجرى دفع الضرر ولم يجعلوه دفع ضرر في نفسه؟

  قيل: لأن الذي يدفع الضرر في الحقيقة هو فعل الطاعة وترك المعصية، ولذا لو حصلت المعرفة من دونهما لم يندفع الضرر، لكن لما يتم الفعل والترك إلا بعد المعرفة أجري تحصيلها مجرى دفع الضرر وإنما قالوا إنه لا يتم فعل الطاعة وترك المعصية إلا مع المعرفة؛ لأن المطيع من فعل ما أراده المطاع، والطاعة فعل ذلك مع القصد إلى طاعته، ولا يمكن القصد إلى طاعته إلا مع معرفته.

  فإن قيل: ما الوجه في استواء الحال في المظنون والمعلوم؟

  قيل: حكم العقل بذلك، فإنه لا فرق عند العقلاء بين مشاهدة السم في الطعام، وخبر من يورث خبره الظن في وجوب الترك، وكذلك الأدوية فإنه يجب فعلها لظن الدفع، وذلك أمر موجود من النفس.

  فإن قيل: لم قالوا إن وجه الوجوب في المظنون هو ظن الدفع ولم يجعلوه نفس الدفع كما في المعلوم؟