تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من
  قيل: لأن الدفع غير مقطوع به إذا لم يكن الضرر معلوماً؛ إذ من الجائز أن لا يكون ثابتاً في نفس الأمر(١)، والعلم بالوجوب فرع على العلم بوجه الوجوب، والظن(٢) في نفسه معلوم، فكان هو الوجه للعلم به دون الدفع، وإلى هنا انتهى الكلام على هذين الأصلين، وبثبوتهما يثبت أن معرفة الله واجبة، وأن وجه وجوبها كونها لطفاً.
  فإن قيل: إذا كانت لطفاً فهلا وجب على الله فعلها؛ لأن اللطف يجب على المكلف - بكسر اللام - للمكلف - بفتحها - لإزاحة العلة مع أن الضروري أجلى وأقطع للشك، وقد مرَّ أن اللطف إذا كان مقدوراً الله وجب فعله، وإذا فعله وجب أن يفعله على أبلغ الوجوه، وفعل المعرفة مقدور الله تعالى.
  قيل: لو وجب عليه تعالى لفعله إذ لا يخل بواجب، ولعله قد علم أنه من فعلنا أبلغ، وقد ذكر الشيخ أبو عبد الله أن المعرفة إذا حصلها العبد بنظر واكتساب كان إلى الثبات إلى ما هي لطفاً فيه، والتمسك به أقرب من أن ينالها بلا كدَّ ولا كلفة، ومن شأن اللطف أن يجب على أبلغ الوجوه، ولا عبرة في كونه أبلغ بكونه أجلى، قال: ولمثل هذا فإن من يكتسب الأموال بكلفة ومشقة يكون تمسكه بها أقرب مِنْ تمسكِ من ينالها بإرثٍ أو نحوه مما لا مشقة فيه.
  واعلم: أنه قد روي في وجه وجوب المعرفة قول ثالث
(١) وإذا لم يكن الضرر ثابتا في نفس الأمر فلا يصح جعله وجهاً ولذا اشترطوا العلم بالوجه. تمت مؤلف.
(٢) يعني أن الظان يعلم من نفسه كونه ظانا. تمت مؤلف.