مفتاح السعادة،

علي بن محمد العجري (المتوفى: 1407 هـ)

تفسير قوله تعالى: {يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون 21 الذي جعل لكم الأرض فراشا والسماء بناء وأنزل من السماء ماء فأخرج به من

صفحة 2045 - الجزء 4

  هذا الوجه قد تقدم ذكره في الثالثة. من مسائل قوله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ ...} الآية [البقرة: ٨].

  الوجه الرابع: لو كان العلم بالله ضرورياً لكان بديهياً لتعذر ما عداه من الضروريات، وتحقيق هذا الوجه أن العلوم الضرورية تنقسم إلى ما ان، عن طريق، وإلى ما يحصل عن طريق، الأول البديهي، والثاني إما أن تكون طريقه المشاهدة، أو الأخبار المتواترة، أو الخبرة أو التجربة، ولا يجوز أن تكون طريق علمنا بالله تعالى المشاهدة لما سيأتي من أنه تعالى لا تجوز عليه الرؤية، ولا الخبرة، ولا التجربة لأنه لا بد من تقدم المشاهدة في حصول العلم عن الخبرة، فلم يبق إلا أن يكون بديهيًا، وهو باطل؛ إذ البديهيات مما يجب اشتراك العقلاء فيها؛ لأنه من كمال العقل، ومعلوم أنهم مختلفون في الباري تعالى، فمنهم من نفاه، ومنهم من أثبته، واعترضه الإمام عز الدين بأن قال: لا نسلم أنه يجب في كل علم بديهي أن يشترك العقلاء فيه، ولا أن كل البديهيات من كمال العقل، فإن العلم بأن زيداً هو الذي شاهدناه من قبل بديهي؛ إذ ليس بحاصل عن طريق، وليس من علوم العقل، ولا يجب اشتراك العقلاء فيه، فهلا كان العلم بالله بديهيًا ولا يجب اشتراك العقلاء فيه.

  قلت: في كلام ابن متويه ما يدل على أن نحو العلم بأن زيداً هو الذي شاهدناه من قبل قسم برأسه معدود من كمال العقل، وذلك أنه قال بعد أن ذكر زوائد على علوم العقل العشرة، وعدها من علوم العقل ما لفظه: ويجب أن يثبت ولده، أو صديقه، وقد صحبهما، وعاشرهما الدهر الطويل إذا غابا عنه ثم رآهما.